سؤال كثيرا ما ألحّ عليّ، إلى أين تذهب أحلام الموتى؟!
إلى أين يذهب كل هذا الكمّ من الأحلام و الآمال؟!!
الوجد والحب... العشق ...الشكوى... و ساعات الانتظار؟؟؟!!
قال العلماء: " الأصوات لا تفنى و أنها كلها في الفضاء عند غلاف الأرض متشابكة إلى حد يصعب فصله ".
أصوات الشرّ و القتل و التدمير متشابكة مع الصلوات و دعوات الأمهات و أنين الثكالى و نحيب الأطفال الأيتام...
مناجاة الأحبة و قصائد الشعراء!!!
ماذا عن الأحلام هل تفنى؟
كانت.......
وقعتُ عن رصيف العمر
تبعثرت حروف اسمي
و تبددت كلّ أحلامي..
غابت الطفلة و الشابة
و وقعت المرأة...
جاء الأجل الصهيوني و خرجتُ
من وراء برزخي
أقرأُ أيّامي
كنتُ...
قطرة ماء في سحابة أحلامي
لهثت طويلاً و حلمت كثيراً
خالية الوفاض
خرجتُ...
من أزمنتي و شخوصي
فهل خرجتُ من أحلامي؟!!
عبدت الله...
أحبت الخير و النور، أحبت الناس و الشجر
أحبت الأرض و الزهر و المطر و ما عرفت الكراهية طريقا إلى نفسها يوماً...
وأحبته... وهبت له عمرها باقة عشقٍ و آمنت به حتّى الانصهار..
زرعت كلّ دروبه نرجساً أمطرت ولهاً و أزهرت حنيناً أشرقت في صباحا ته ياسميناً و في أمسياته وردا جورياً...
تعبدت في محرابه.. تبتلت..
الدنيا كلّها تضحك حين يضحك
و عويل في الروح يصرخ ... يستجير حين تراه حزيناً....
عاشا معاً في جنتهما... عاشا كثيراً.. عاشا قليلاً..
كلّ يوم كان عمرا و كل العمر ما كان يكفي حبّ يوم....
سيّد الرجال في عينيها و سلطان العشق و في عينيه أجمل النساء هي على وجه الأرض و مليكة القلب لا يحطّ رحاله إلاّ على شواطئها، صدره و طنها الخاص و عيناه عالمها و عيناها عمره وبيتهما مرفأ الأمان على شاطئ الحنان...
يقرآن في كتاب واحد و يحبان نفس الطعام و ألوان الفنون و الموسيقى..
هكذا التحما و انصهرا إلى حد بات النسيم لا يمر من بينهما..
نسي ما كان عليه من قبلها و نسيت ما كانت عليه، تطالع ملامحه في مرآتها و يطالع كيانها في كيانه...
سأله الناس و سألوها أما آن لكما أن تنجبا؟ و حين تراكمت السنون سألوا ممن العيب؟ حاولوا أن يحرضوها عليه و يحرضوه عليها و لكن هيهات!!
كانا مكتفيان و لا يهمهما أن يعرفا أين العيب في هذه الأنا الواحدة التي صهرتهما...
كانت تقول هو طفلي و أبي و أخي و صديقي و حبيب عمري و لا أحتاج المزيد، و كان يقول هي ابنتي و أمي و أختي صديقتي و حبيبيتي، حتى مل سؤالهما الجميع و تركوهما في حالهما...
في أحد الأيام فيما كانت عائدة من عملها إلى جنتها، تسير على الرصيف تحمل كيس الكرز الذي اشترته تفكر كيف ستعد له العشاء اليوم و كيف ستضع الشموع الحمراء لينعكس وهجها فوق حبات الكرز...
كان يقف مستوطنٌ قذر مملوء بالحقد و الإجرام على أحد السطوح و يحمل بندقيته و يمارس هوايته الإجرامية بالصيد، صيد الفلسطينيين!!
رآها.. خرجت الطلقة الحاقدة و مزقت قلبها العامر بالحب و الخير والسلام و اختلطت دمائها بدماء حبات الكرز...
و ما أن سقط الجسد و خرجت منه حتى تلألأت الأنوار الباهرة و وجوه سمحة وسط هالات من النور تستقبلها بالحبور و تبشرها بنقلها إلى جنة عرضها السماوات و الأرض و فيما كانت تستعد للرحيل سمعت صراخ بدر حبيبها ينكب على الجسد يهزه مفجوعاً مذعوراً: " نجوى حبيبتي لا تتركيني " ، فكيف تتركه و أي جنة بدونه؟؟!!
توسلت إلى الملائكة أن يتركوا روحها زمناً بجوار حبيبها إلى أن تطمئن عليه، و كان للروح ما شاءت..
مرت الأيام و الشهور هو يبكيها و الروح تناجيه و تئن لحاله و الأقارب و الأصدقاء يحاولون عبثاً إخراجه من حالة الحزن، يدفعونه للزواج و يحاولون تقريب من يرونها تناسبه..
حاول أن يخرج من حزنه و عزلته، أن يختار إنسانة من بين المرشحات لكن غربته كانت تزداد و حزنه يشتد كلما اقترب من إحداهن و روحها تعاني لمعاناته و هو لا يدري و يطول الليل به دهراً
يا نجواي..
الليل في بُعدك دهر
و النهارات بعدك ليلُ
حبك كان نعيم الدنيا
و لا نعيم بعدك و لا نور
ضميني إليك
و امسحي بصفاء الروح
غربة العمر في ليل حرماني
لهفي عليك يزداد وجعاً
و الروح من بعدك تنطفئ
ذات يوم كان عائداً و انطلقت رصاصة من تلك البندقية و استقرت في قلب طفل صغير كان يسير مع أمه على ذلك الرصيف
لا يدري كيف انطلق إلى البيت يحضر بندقية قديمة كانت لوالده، لا يعرف إن كانت تعمل أو إن كان رصاصها قد فسد، فبعمره لم يستعمل السلاح، زيتها و جهزها و جلس في زاوية بعدما خبأها تحت معطفه، يومين أو أكثر و هو ينتظر و ما أن خرج المستوطن إلى السطح حتى انطلقت الرصاصة إلى رأس الثعبان و أردته لتقبض الملائكة على الروح الشريرة و ترميها في الجحيم ... و في أقل من دقيقة أصيب جسد بدر اخترقه رصاص الجنود الإسرائيليين الذين يحمون إجرام المستوطنين و حولته إلى كتلة دماء، و سرعان ما استنكر العالم إرهاب المجرم الفلسطيني و الاعتداء على مواطن إسرائيلي مسكين!!
و لكن في ذلك كانت روح بدر وسط الأنوار المتلألئة تحيط بها الملائكة بالبشر و مسوح الجنة، و بين الملائكة كانت روح نجوى تستقبله:
تعالَ حبيبي..
ضمني إلى الأبد
هذا عرسنا
الملائكة تزفنا
بالنور تعمدنا
عرس المحبة الصادقة
عرس الأرواح الطاهرة
عرس انصهارنا
السماء مسكننا
و الكون مسرحنا
تعال حبيبي
و ضمني إلى الأبد